الأحد، 25 يوليو 2010

الحرص على الكرسي

الحرص على الكرسي


خرج هارون الرشيد‮ ‬يوماً‮ ‬في‮ ‬رحلة صيد فمر ببهلول،‮ ‬فقال هارون‮: ‬عظني‮ ‬يا بهلول،‮ ‬قال‮ ‬يا أمير المؤمنين اين اباؤك واجدادك من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ابيك؟ قال هارون‮: ‬ماتوا‮. ‬قال بهلول‮: ‬فأين قصورهم وأين قبورهم؟ قال‮: ‬تلك قصورهم وهذه قبورهم‮. ‬فقال بهلول‮: ‬تلك قصورهم وهذه قبورهم فما نفعتهم قصورهم في‮ ‬قبورهم؟ قال‮: ‬صدقت زدني‮ ‬يا بهلول‮. ‬قال‮: ‬اما قصورك في‮ ‬الدنيا فواسعة فليت قبرك بعد الموت‮ ‬يتسع،‮ ‬فبكى هارون وقال‮: ‬زدني‮. ‬فقال‮: ‬يا امير المؤمنين هب انك ملكت كنوز كسرى وعمرت السنين فكان ماذا أليس القبر‮ ‬غاية كل حي‮ ‬وتسأل بعده عن كل هذا؟ قال بلى‮. ‬ثم رجع هارون وانطرح على فراشه مريضا ولم تمض عليه ايام حتى نزل به الموت فلما حضرته الوفاة وعاين السكرات صاح برجاله وحجابه‮: ‬اجمعوا جيوشي‮ ‬فجاؤوا بهم بسيوفهم ودروعهم لا‮ ‬يكاد‮ ‬يحصى عددهم إلا الله سبحانه كلهم تحت قيادته وامره فلما رآهم بكى ثم قال‮: ‬يا من لا‮ ‬يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه ثم لم‮ ‬يزل‮ ‬يبكي‮ ‬حتى مات‮.‬
الحرص في‮ ‬الكويت اصبح سلوك الكثيرين،‮ ‬الكل‮ ‬يحرص على الكرسي،‮ ‬ومن‮ ‬يجلس على الكرسي‮ ‬يشعر انه صنع له ومن اجله ولا‮ ‬يريد ان‮ ‬يفرط به ربما نسي‮ ‬انه لو دام لغيره ما وصل اليه،‮ ‬والارجح انه لا‮ ‬يريد ان‮ ‬يتذكر ولا ان‮ ‬يذكره احد،‮ ‬المهم انه‮ ‬يجلس عليه اليوم،‮ ‬وهو على استعداد لان‮ ‬يفعل اي‮ ‬شيء من اجل ان‮ ‬يظل جالسا عليه،‮ ‬المحرصون على الكراسي‮ ‬يتزايدون والتحريص لا‮ ‬يستهدف كراسي‮ ‬بعينها بل الكراسي‮ ‬بجميع انواعها الخشبية الفخمة والخرزان والجلدية وحتى كراسي‮ ‬البلاستك،‮ ‬الجالسون لا‮ ‬ينهضون لان الكرسي‮ ‬له بريق له رونق له سر عجيب وغريب،‮ ‬فالكرسي‮ ‬الابيض‮ ‬ينفع في‮ ‬اليوم الاسود،‮ ‬وهناك المحرصون على جمع الاموال والثروات بشتى الطرق نسبة منهم‮ ‬يرتشون ونسبة‮ ‬ينافقون،‮ ‬يحملون الحقائب،‮ ‬يمسحون الاجواخ،‮ ‬والمحرصون بشدة‮ ‬يبيعون ضمائرهم‮ ‬يتاجرون في‮ ‬كل شيء لا عيب لا حرام لا خجل لا حياء انقلبت الموازين،‮ ‬انعكست الاوضاع،‮ ‬الدينار اصبح سيدا‮ ‬يخضع له،‮ ‬اصبح لكل شيء ثمن،‮ ‬الفلوس هي‮ ‬القوة هي‮ ‬النفوذ هي‮ ‬السطوة،‮ ‬هي‮ ‬السلطة،‮ ‬الفلوس تمسح الماضي‮ ‬المسيء،‮ ‬تغسل التاريخ القذر تشتري‮ ‬حاضرا ناصع البياض،‮ ‬تؤمن المستقبل تصنع النجوم،‮ ‬تخلق الشهرة،‮ ‬وهناك ايضا التحريص السياسي‮ ‬ويضم فئة قليلة‮ ‬يحرصون على البقاء في‮ ‬دائرة الضوء‮ ‬يمشون على الاحبال والاسلاك،‮ ‬يلعبون على كل الاوتار،‮ ‬يصافحون كل الايادي،‮ ‬يبرعون في‮ ‬الصفقات،‮ ‬يرقصون على تصفيق المخدوعين،‮ ‬يتلاعبون بأحلام بعض الناس،‮ ‬يقولون مالا‮ ‬يفعلون ثم‮ ‬يصدقون،‮ ‬يتقمصون دور المناضلين،‮ ‬ويتبعهم الضالون‮ ‬يحسبهم الناس صادقين من التكلف والتظاهر بالتعفف،‮ ‬يجيدون فن المقاولة‮ ‬يتمسحون في‮ ‬اضرحة السلطة،‮ ‬يقدمون فروض الولاء،‮ ‬يذبحون الذبائح،‮ ‬يختلقون الفضائح،‮ ‬يعرفون اصول اللعبة،‮ ‬يدركون ان السياسة لعبة قذرة،‮ ‬يحركون شفاههم ولا‮ ‬يقرأون الفاتحة،‮ ‬يطيلون في‮ ‬السجود،‮ ‬ينقضون العهود،‮ ‬يخلفون الوعود‮. ‬في‮ ‬الختام قرأت هذه الابيات لاحد الشعراء‮:‬

سل الخليفة اذ وافت منيته
أين الجنود وأين الخيل والخول
أين الكنوز التي‮ ‬كانت مفاتحها
تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا
أين الجيوش التي‮ ‬ارصدتها عددا
أين الحديد وأين البيض والأسل
لا تنكرن فما دامت على احد
إلا أناخ عليه الموت والوجل

عبدالمحسن المشاري
جريدة الشاهد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق