الحرص على الكرسي
خرج هارون الرشيد يوماً في رحلة صيد فمر ببهلول، فقال هارون: عظني يا بهلول، قال يا أمير المؤمنين اين اباؤك واجدادك من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ابيك؟ قال هارون: ماتوا. قال بهلول: فأين قصورهم وأين قبورهم؟ قال: تلك قصورهم وهذه قبورهم. فقال بهلول: تلك قصورهم وهذه قبورهم فما نفعتهم قصورهم في قبورهم؟ قال: صدقت زدني يا بهلول. قال: اما قصورك في الدنيا فواسعة فليت قبرك بعد الموت يتسع، فبكى هارون وقال: زدني. فقال: يا امير المؤمنين هب انك ملكت كنوز كسرى وعمرت السنين فكان ماذا أليس القبر غاية كل حي وتسأل بعده عن كل هذا؟ قال بلى. ثم رجع هارون وانطرح على فراشه مريضا ولم تمض عليه ايام حتى نزل به الموت فلما حضرته الوفاة وعاين السكرات صاح برجاله وحجابه: اجمعوا جيوشي فجاؤوا بهم بسيوفهم ودروعهم لا يكاد يحصى عددهم إلا الله سبحانه كلهم تحت قيادته وامره فلما رآهم بكى ثم قال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه ثم لم يزل يبكي حتى مات.
الحرص في الكويت اصبح سلوك الكثيرين، الكل يحرص على الكرسي، ومن يجلس على الكرسي يشعر انه صنع له ومن اجله ولا يريد ان يفرط به ربما نسي انه لو دام لغيره ما وصل اليه، والارجح انه لا يريد ان يتذكر ولا ان يذكره احد، المهم انه يجلس عليه اليوم، وهو على استعداد لان يفعل اي شيء من اجل ان يظل جالسا عليه، المحرصون على الكراسي يتزايدون والتحريص لا يستهدف كراسي بعينها بل الكراسي بجميع انواعها الخشبية الفخمة والخرزان والجلدية وحتى كراسي البلاستك، الجالسون لا ينهضون لان الكرسي له بريق له رونق له سر عجيب وغريب، فالكرسي الابيض ينفع في اليوم الاسود، وهناك المحرصون على جمع الاموال والثروات بشتى الطرق نسبة منهم يرتشون ونسبة ينافقون، يحملون الحقائب، يمسحون الاجواخ، والمحرصون بشدة يبيعون ضمائرهم يتاجرون في كل شيء لا عيب لا حرام لا خجل لا حياء انقلبت الموازين، انعكست الاوضاع، الدينار اصبح سيدا يخضع له، اصبح لكل شيء ثمن، الفلوس هي القوة هي النفوذ هي السطوة، هي السلطة، الفلوس تمسح الماضي المسيء، تغسل التاريخ القذر تشتري حاضرا ناصع البياض، تؤمن المستقبل تصنع النجوم، تخلق الشهرة، وهناك ايضا التحريص السياسي ويضم فئة قليلة يحرصون على البقاء في دائرة الضوء يمشون على الاحبال والاسلاك، يلعبون على كل الاوتار، يصافحون كل الايادي، يبرعون في الصفقات، يرقصون على تصفيق المخدوعين، يتلاعبون بأحلام بعض الناس، يقولون مالا يفعلون ثم يصدقون، يتقمصون دور المناضلين، ويتبعهم الضالون يحسبهم الناس صادقين من التكلف والتظاهر بالتعفف، يجيدون فن المقاولة يتمسحون في اضرحة السلطة، يقدمون فروض الولاء، يذبحون الذبائح، يختلقون الفضائح، يعرفون اصول اللعبة، يدركون ان السياسة لعبة قذرة، يحركون شفاههم ولا يقرأون الفاتحة، يطيلون في السجود، ينقضون العهود، يخلفون الوعود. في الختام قرأت هذه الابيات لاحد الشعراء:
سل الخليفة اذ وافت منيته
أين الجنود وأين الخيل والخول
أين الكنوز التي كانت مفاتحها
تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا
أين الجيوش التي ارصدتها عددا
أين الحديد وأين البيض والأسل
لا تنكرن فما دامت على احد
إلا أناخ عليه الموت والوجل
عبدالمحسن المشاري
جريدة الشاهد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق